إن الله يحب التوابين

كتب : الشيخ محمد العريفي : " الله أخبر أنه يحب التوابين .. لكنه يبغض المعتدين الظالمين .. وكم من عاصٍ يمسي ويصبح ضاحكاً .. وربه من فوقه يلعنه .. والملائكة تبغضه .. والصالحون يدعون عليه .. والنار تشتاق إليه .. أتم الله له سمعه وبصره ..

وسلم له عقله وفكره .. فبارز ربه بالعصيان .. وصار من أنصار الشيطان .. يعصي ولا يتوب .. ويتتبع الشهوات والذنوب .. عجباً .. ينعم الله عليك وتعصيه بنعمه .. هب أنك كنت مشلولاً مقعداً .. أو مريضاً مجهداً .. أو مسلوب السمع والبصر .. فكيف يكون حالك ؟! 

* * * * * * * * * 
دخلت على مريض في المستشفى .. فلما أقبلت إليه .. فإذا رجل قد بلغ من العمر أربعين سنة .. من أنضر الناس وجهاً .. وأحسنهم قواماً .. لكن جسده كله مشلولٌ لا يتحرك منه ذرة .. إلا رأسه وبعض رقبته .. 
دخلت غرفته .. فإذا جرس الهاتف يرن .. فصاح بي وقال : يا شيخ أدرك الهاتف قبل أن ينقطع الاتصال .. 
فرفعت سماعة الهاتف ثم قربتها إلى أذنه ووضعت مخدة تمسكها .. وانتظرت قليلاً حتى أنهى مكالمته .. ثم قال : يا شيخ .. أرجع السماعة مكانها ..
فأرجعتها مكانها .. ثم سألته : منذ متى وأنت على هذا الحال ؟ 
فقال : منذ عشرين سنة .. وأنا أسير على هذا السرير .. 

* * * * * * * * * 
وحدثني أحد الفضلاء أنه مر بغرفة في المستشفى .. فإذا فيها مريض يصيح بأعلى صوته .. ويئن أنيناً يقطع القلوب .. قال صاحبي : فدخلت عليه .. فإذا هو جسده مشلولٌ كله .. 
وهو يحاول الالتفات فلا يستطيع .. فسألت الممرض عن سبب صياحه .. فقال : هذا مصاب بشلل تام .. وتلف في الأمعاء .. وبعد كل وجبة غداء أو عشاء .. يصيبه عسر هضم .. فقلت له : لا تطعموه طعاماً ثقيلاً .. جنبوه أكل اللحم .. والرز .. 
فقال الممرض : أتدري ماذا نطعمه .. والله لا ندخل إلى بطنه إلا الحليب من خلال الأنابيب الموصلة بأنفه .. وكل هذه الآلام .. ليهضم هذا الحليب .. 

* * * * * * * * * 
وحدثني ثالث أنه مرّ بغرفة مريض مشلول أيضاً .. لا يتحرك منه شيء أبداً .. قال : فإذا المريض يصيح بالمارين .. فدخلت عليه .. فرأيت أمامه لوح خشب عليه مصحف مفتوح .. وهذا المريض منذ ساعات .. كلما انتهى من قراءة الصفحتين أعادهما .. فإذا فرغ منهما أعادهما .. لأنه لا يستطيع أن يتحرك ليقلب الصفحة .. ولم يجد أحداً يساعده .. 
فلما وقفت أمامه .. قال لي : لو سمحت .. اقلب الصفحة .. فقلبتها .. فتهلل وجهه .. ثم وجّه نظره إلى المصحف وأخذ يقرأ .. فانفجرت باكياً بين يديه .. متعجباً من حرصه وغفلتنا .. وشدة مرضه وحسن صحتنا .. 

* * * * * * * * * 
هذا حال أولئك المرضى .. فأنت يا سليماً من الأمراض والأسقام .. يا معافىً من الأدواء والأورام .. يا من تتقلب في النعم .. ولا تخشى النقم .. 
ماذا فعل الله بك فقابلته بالعصيان .. بأي شيء آذاك .. أليست نعمه عليك تترى .. وأفضاله عليك لا تحصى ؟ 
أما تخاف .. أن توقف بين يدي الله غداً .. فيقول لك .. يا عبدي ألم أصح لك في بدنك .. وأوسع عليك في رزقك .. وأسلم لك سمعك وبصرك .. فتقول بلى .. فيسألك الجبار : 

فلم عصيتني بنعمي .. وتعرضت لغضبي ونقمي .. فعندها تنشر في الملأ عيوبك .. وتعرض عليك ذنوبك .. فتباً للذنوب .. ما أشد شؤمها .. وأعظم خطرها .. أولها عناء .. وأوسطها بلاء .. وآخرها فناء .. وهل أخرج أبانا من الجنة إلا ذنب من الذنوب .. وهل أغرق قوم نوح إلا الذنوب .. وهل أهلك عاداً وثمود إلا الذنوب .. 
وهل قلب على قوم لوط ديارهم .. وعجل لقوم شعيب عذابهم .. 

وأمطر على أبرهة حجارة من سجيل .. وأنزل بفرعون العذاب الوبيل .. 
إلا المعاصي والذنوب .. 
قال الله : ] فَكُلّاً أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ [ .. 

* * * * * * * * * 
ولا تعجب .. إذا عُذبت بذنبك في الدنيا .. فمرضت في بدنك .. أو ابتليت في ولدك .. أو خسرت في تجارتك .. أو ضاق عليك رزقك .. أو كثر عليك البلاء .. ولم يستجب منك الدعاء .. فتتابعت عليك المصائب .. وأحاطت بك المتاعب .. 
قال الله : ] أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثَاراً فِي الْأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ [ .. فبادر إلى التوبة من ذنوبك ..